(خمسون عاما مضت)

كلمات علاء حكمي
…………………………..

خَمسُونَ عَامَاً مَضَت والحَالُ لم يَزَلِ
مَازالتِ العَينُ بَينَ العَشيِ والحَوَلِ

والدَّارُ تلكَ التِي بالأمسِ نَسكنُهَا
ويَفضَحُ الغَيثُ مَافِيهَا مِنَ الخَلَلِ

والأرضُ صَفراءُ يَخفِي الوَهْمُ مَنبتَهَا
والشَّمسُ تَشوِي بهَا وَجهَاً مِنَ المُهَلِ

قد أضحَلَت في أبِي والحَظُّ يهجُرُهَا
فَيهَا الهَشيمُ ولَونُ الفَقرِ والعِلَلِ

والدَّينُ يَزدادُ فَوقَ الدَّينِ نجمَعهُ
والقَلبُ والعَقلُ بَينَ الهَمِّ والوَجَلِ

لمَّا مشَينا مَشَى الحَافَي لنَا أثَراً
بينَ الرَّمادِ وفوقَ المَاءِ وَ الجَبَلِ

تَمشِي السَّلاحِفُ في أقدامِنا امَلاً
والعُمرُ يَجري بسَاقِ الفَهدِ في عَجَلِ

يَعودُ في داخِلي طِفلٌ وَ مَاجِنَةٌ
ويَرجعٌ الشَّيبُ يبكِي الطَّفلُ في الرَّجُلِ

كَم كُنتُ حُبَّاً وحَربَاً أخطُو بينهُمَا
في سَاحِلي الذِّئبُ يرقُبُ غَفلةَ الحَمَلِ

مَلامِحُ الأمسِ في البِروازِ أنظرُهَا
وَسطَ الطَّبيعةِ بينَ الزرعِ والإبِلِ

فَالذِّكريَاتُ بغُصنِ اللوزِ قد سَقَطَت
وَهاجَرَ المَجدُ في صَمتٍ ولم يَقُلِ

بَكَى الزَّمانُ عَلى حَالٍ لنَا أسَفَاً
وَأفسَدُ الشَّيبُ رَسمَ العَينِ بالبَلَلِ

هَذا مَرِيضٌ وهَذا عَاشَ مُكتئبَاً
وذاكَ يَمشِي عَلَى العُكَّازِ والأَمَلِ

وذَاكَ يَرجو إلهَ الكونِ مُرتقبَاً
وتلكَ ترقدُ بينَ الضَّغطِ والشَّلَلِ

سَألتُ عن هَاتفِ النَّقَّالِ لم أرَهُ
أصَابَهُ المَسُّ أم شيئٌ مِنَ العَطَلِ

فقَالوا يَاسيِّدي الخمسينَ ليسَ بهِ
شيئٌ .. وَلكنَّ إبنَي غيرُ مُتَّصِلِ ؟

ابناؤنَا حَظَروا أعيَادَ مَحفَلِنَا
وإبنَتي غَرَّهَا زَوجٌ مِنَ الغَزَلِ

ألعَابُهًم وَعِراكُ الأمسِ مَاهَدَأت
والخَيزَرانُ وَسُوطُ الجِدِّ والهَزَلِ

تلكَ الشَّخَابيطُ بالجُدرَانِ تَطلبُهُم
بِكلِّ ألوانِهَا في هَامِشِ الجُمَلِ

حتَّى الصَّغيرُ الذي كُنَّا نُدِللهُ
قد غَابَ عنَّا ولم يَسألْ ولَم يَصِلِ

وصَاحبُ الأمسِ دُهنُ الفِلسِ غَيَّرَهُ
كم عَاشَ وغدَاً بخُفِّ البُخلِ والجَمَلِ

أبِيتُ في وَحدَتي والنُّورُ يحرُسُني
خِفتٌ الظَّلامَ وكَابوسَاً مِنَ الجَدَلِ

عُنقُ القَواريرِ مَكسُورٌ بخاطِرِهَا
والعِطرُ مُهمَلُ خلفَ القلبِ والمُقَلِ

نَغدُو الصَّيادِلَ نٌخفِي مِن مَلامحِنَا
ونَطلبُ الحُبَّ نُخفِيهِ مِنَ الخَجَلِ

كَم نَشتَهي الوَردَ أن يبقَى بدَاخلنَا
لكنَّنَا لَم نَعُد نَقوَى عَلى القُبَلِ

مَن يَبلغِ العُمرَ خمسِيناً يُكابدُهَا
تَهدُّهُ النَّفسُ بينَ الخَوفِ وَ الفَشَلِ

أصحُو غَريبَاً ويَصحُو الفَجرَ مُغتربَاً
وتَشرقُ الشَّمسُ تَابُوتاً مِنَ الزّعَلِ

أغدُو إلَى عمَلي والضَّجرُ يسبِقُني
والضَّغطُ يعقبُني باليَأسِ والمَلَلِ

كَأنَّنَا في سَجونٍ ضَاقَ حَارسُهَا
كُلَّ المَداخِلِ قًضبَانٌ مِنَ الكَلَلِ

حُرِّيتِي لم تَزلْ بالأسرِ وَاقِفةٌ
قد ضاقَ في معصَمي قيدٌ مِنَ العَمَلِ

إنَّا لَنمشِي وَلا نَدرِي مَقابرَنَا
في جَمرةِ الصخرِ أم في حَوصَلِ الحَجَلِ

فالموتُ في عُمرِنَا قد حَانَ موعدُهُ
ولَن يُؤخَّرَ في مَوتِي ولا أجَلِي

مَاأجملَ المَوتُ لو كَانت مَقابرُنا
فيهَا الورُودُ وأنهارٌ مِنَ العَسَلِ

سَيحقِنُ الثَّائرونَ الموتَ في رئتي
ويقطَعونَ وَريدَاً أسفلَ العَضَلِ

مَاذا سَيفعلُ سفَّاحٌ براقصَةٍ
في قَلبهِ شَابَ عكَّازٌ مِنَ الكَسَلِ
………………………….
ابو حليم ……..