الدكتور عبدالجبار شكري من المغرب عالم النفس وعالم الاجتماع الشاعر والروائي في ضيافة مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر

الجزء الاول من الحوار

لقد تم القيام بحوار مع عالم النفس وعالم الاجتماع و الشاعر والروائي الدكتور عبد الجبار شكري( من المغرب) في المواضيع التالية = التقاطع بين الاجناس الأدبية والعلمية – المثقف العضوي – جائحة كورونا والثقافة في الوطن العربي الى آخره . حاوره الكاتب السوري الدكتور أدهم مسعود القاق ، مدير مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر( بسوريا/و مصر). وهذا هو نص الحوار 👇
حوار مركز ليفانت للدراسات الثقافية والنشر

الدكتور عبدالجبار شكري من المغرب
عالم النفس وعالم الاجتماع
الشاعر والروائي

_____________________________
السؤال 1

1- ضيفنا الكريم، د. عبدالجبار شكري، أهلًا وسهلًا بحضرتك، تجربتك الشعرية والروائية، وعملك في مجال علم النفس وعلم الاجتماع تثير الفضول بمعرفة العلاقات التي تحكم الأدب بالفلسفة، ولكن، في بداية حوارنا نود أن نسمع من حضرتك – دكتور عبد الجبار- عن المولد والنشأة والتكوين في المغرب وخارجه، إضافة إلى تكرمك بالحديث عن التكريمات والشهادات المميزة التي حصلت عليها، وعن المناصب والمهام التي شغلتها؟

* الجواب =

– انا مواطن مغربي ولدت بمدينة الرباط عاصمة المغرب وعشت فيها طفولتي ودرست فيها بالتعليم الابتدائي ثم التعليم الإعدادي ثم التعليم الثانوي حيث حصلت على الباكالوريا . ثم انتقلت الى متابعة دراستي بالتعليم العالي الجامعي بجامعة محمد الخامس وقد أصابني في هذه المرحلة قلق وجودي معرفي هو نفس القلق التي تحدث عنه الفيلسوف الالماني ( مارتن هايدغر Martin Heidegger) حيث وقعت في حيرة شديدة انطلاقا من سؤال وجودي ومعرفي وهو : في اي مجال معرفي ايبستيمولوجي سأبني هويتي المعرفية واناي المعرفي؟ لا اريد ان اترك العبث والصدفة تسير حياتي اي أن أقذف نفسي عبثا في أي نوع من المعرفة عشوائيا .إنه قلق كما يقول مارتن هايدغر قلق ناتج عن الخوف المطلق امام العراء المطلق هو بالنسبة لي عراء معرفي في تلك اللحظة …. ان هذا القلق يمنع (الأنا) كما يقول هايدجر من سقوطها ثم إرغامها على الاختيار بين وجودين متناقضين انه كما يقول (( قلق ينبثق هو نفسه من أن الأنية (الأنا) تشعر بأنها ملقاة هناك وبأنها مرغمة على الاختيار بين شكلين متعارضين للوجود )) بل انتقل التعارض عندي بين شكلين من المعرفة الى التعارض بين ثلاثة اشكال من المعرفة . بحيث وجدت نفسي أمام ثلاث تخصصات معرفية تجذبني بنفس القوة . وهي العلوم السياسية بكلية الحقوق، والعلوم الانسانية بكل الاداب، والأدب الانجليزي بنفس الكلية . وكانت بالفعل لحظة قلق وجود عشتها في المكان والزمان وصلت الى درجة الاكتئاب . ان اختياري هو مصير هويتي المعرفية واناي المعرفي في سيرورتي الاجتماعية في مجتمع مثل المجتمع المغربي بخلاف المجتمعات الغربية هذا المجتمع ، لا يؤمن بالهوية المعرفية لشخص ما الا انطلاقا من تخصصه الاكاديمي وبشهادة اكاديمية .

فتقاطع المعارف عند شخص واحد تثير الفضول والتعجب عند الاخرين. ماهي حدود كل علم مع علم اخر في ممارستنا للبحث العلمي وللابداع هل يجب ان نفصل بين العلوم والمعارف والأجناس الادبية ؟

ان من يضع هذا السؤال ؟أو يرى ضرورة الفصل هو جاهل بتاريخ العلوم وبالايبستمولوجيا التاريخية وجاهل بتاريخ العلماء .في نظري إن هذا التفكير هو تفكير ايبستيمولوجي ضيق وساذج لا واقعي وفي نفس الوقت لا تارخي . فتاريخ العلوم والابيستيمولوجيا التارخية و تاريخ العلماء يؤكد على وجود تداخل العلوم الإنسانية فيما بينها ، فنجد مثلا أن الرواد الاوائل من علماء الاجتماع لم يأتوا مباشرة بشهادة جامعية من حقل علم الاجتماع وانما اتوا من حقول معرفية اخرى فعالم الاجتماع اوكست كونت مؤسس علم الاجتماع اتى من الفلسفة وعالم الاجتماع ايميل دوركايم اتى كذلك من حقل الفلسفة وكارل ماركس اتى من الاقتصاد والفلسفة . اما بالنسبة لسيجموند فرويد لم يكن اصلا عالم النفس وانما كان طبيب الجهاز العصبي والدماغ . وكذلك عالم النفس الطفل جان بياجي قد اتى بدكتوراه من الفلسفة واشتغل في بداية مشواره العلمي في الفلسفة ثم تحول فيما بعد الى عالم النفس.

فمنذ البداية كان لدي هذا الوعي بالتناقض الابستيمولوجي عند هؤلاء الذي يقولون بهذا الطرح في الفصل بين انواع المعارف الانسانية ، وهذا الوعي الشقي هو الذي جعلني اعيش هذا القلق بكل كياني في بداية الامر .

خصوصا كنت اعرف أن هذا التفكيرالضيق والساذج الذي يضع الحدود بين المعارف الانسانية لا يمكن ان يطبق بصرامة اثناء فعل الكتابة . فالباحث في ظاهرة اجتماعية يحتاج الى علم النفس لفهمها في ابعادها الأخرى والباحث في ظاهرة نفسية يحتاج الى علم الاجتماع لفهم تأثير العوامل الاجتماعية على الظاهرة النفسية . والنقد الأدبي في الشعر والرواية يحتاج الى التسلح بالعلوم الانسانية . لأن الشاعر وهو يعبر عن نفسه فهو في نفس الوقت يتحدث عن نفسية الانسان والروائي عندما يحكي احدات المجتمع فهو يتحدث عن احدات تشكل ظواهر اجتماعية في السوسيولوجيا والأنتربولوجيا .

وهذه القناعة الابستيمولوجية في عدم امكانية تقسيم الكينونة الانسانية الى معارف مستقلة ووضع حدود وفواصل بينها هي التي خلقت لدي كل هذا القلق الوجودي والمعرفي في الاختيار. لأنني كنت اريد ان اكون عالم النفس وعالم الاجتماع وشاعر وروائي في نفس الوقت. ولكن اكراهات المؤسسة الجامعية وقوانينها تلزمني بالفصل في اختيار تخصص معرفي معين . وفي ظل هذا القلق الوجودي والمعرفي كان علي ان اختار، ولكن ليس الاختيار التي تحدث عنه الفيلسوف الدانماركي (سورين اباي كيركجارد Søren Aabye Kierkegaard‏) يعني الغاء هذا القلق يعني كما يقول إلغاء قرارنا بالإختيار بين “إما” وبين “أو”، هو الذي يعطينا الحرية. وبدون هذا الاختيار، لن تكون هناك حرية ” الانا” وهو الذي يقول في هذا الصدد = (وجودي يعادل رغبتي وقراراتي وأفعالي) .

في ظل هذا الوعي الشقي الايبيستمولوجي ادركت انه لا يمكن ان نضع حدودا للذات الانسانية في اكتساب اكثر من تخصص في المعرفة فليس هناك قانونا ولا حدودا تجعل الشخص، اذا اكتسب المعرفة في علم الاجتماع فلايمكن ان يكتسبها في علم النفس او الفلسفة او التاريخ او الادب وبالتالي يكتسب هويته المعرفية من ذلك. فالشخص الواحد يمكن ان يكتسب اكثر من معرفة واحدة واكثر من تخصص واحد .

الا انه يجب ان نميز في الشهادة الجامعية بين بعدها المهني وبين بعدها المعرفي. فالشهادة في بعدها المهني محددة قانونيا واداريا تجعلك تشتغل في المهنة المرتبطة بشهادة التخصص لكن هذه الشهادة في بعدها المعرفي لا يمكن ان تمنع من تخصص اخر يريد أن يكتسبه الشخص . ومن ثم حققت رغبتي في الجمع بين هذه التخصصات وقد ساعدني ذلك الترسانة القانونية لشعبة العلوم الانسانية في كلية الاداب والعلوم الانسانية بالرباط .حيث كانت هناك شعبة واحدة تسمى بشعبة علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة .والطالب في السلك الاول يدرس كل هذه التخصصات . وفي السلك الثاني يتخصص اما في علم النفس او في علم الاجتماع او في الفلسفة وعندما يحصل على الاجازة في هذه الشعبة يتخرج كاستاذ للفلسفة في السلك الثاني . اذن اخترت التسجيل بالكلية في شعبة الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس . وتخصصت فيما بعد في علم الاجتماع لادرس فيه ايضا السياسة في علم الاجتماع السياسي اما اللغة الاجنبية فلقد اخترت الانجليزية كلغة اجنبية ثانية في الكلية. وبذلك حققت رغباتي الثلاث التي كانت لدي في البداية . وهي العلوم السياسية والعلوم الانسانية والاداب من خلال اللغة الانجليزية وادابها . اما الدراسات العليا في الماستر والدكتوراه جمعت فيهما بين علم النفس وعلم الاجتماع.

بالنسبة للشواهد الجامعية التي حصلت عليها فهي كالتالي =

– شهادة الاجازة في شعبة علم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة = تخصص علم الاجتماع

– شهادة الماستر في علم النفس من التعليم العالي في القطاع الخاص

– شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي ( بميزة مشرف جدا ) من جامعة محمد الخامس كلية الآداب و العلوم الانسانية بالرباط/المغرب .

– دبلوم كلية علوم التربية بجامعة محمد الخامس بالرباط.

– دبلوم ( DALF/ C2 ) ( اي دبلوم معمق في اللغة الفرنسية) من المركز الثقافي الفرنسي

– دبلوم بداغوجي لتدريس اللغة الفرنسية من المركز الثقافي الفرنسي

– تخصص الدراسات الانجليزية بكلية الاداب والعلوم الانسانية عين الشق بالدار البيضاء جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء .

– دبلوم الاعلاميات

– المهنة استاذ باحث في علم النفس وعلم الاجتماع واستاذ الفلسفة .

– ولقد حصلت على سبعة اوسمة للتكريم من طرف =

– الاتحاد الدولي للادباء والشعراء العرب بالولايات المتحدة الأمريكية.

– مؤسسة الشعراء والادباء والمبدعين العرب .

– مؤسسة اهل الوطن . صالون تحيا مصر

– اتحاد المثقفين العرب.

– الموسوعة الحديثة للشعراء والادبا ء العرب.

– ائتلاف أكاديميات سفراء السلام الدولي بكندا

– منظمة اجنحة السلام والديموقراطية الدولية

_________________________

السؤال 2 =

2 – هل لك إصدارات متنوعة، منها نصوصك السردية والشعرية، ودراسات نفسية ومجتمعية، نرجو أن نسمع من حضرتكم لمحات عن حصيلة الإنجازات التي أنجزتموها في حياتكم الأدبية والثقافية والإبداعية؟

– الجواب =

فيما يتعلق بانجازاتي العلمية والأدبية نجد مايلي =

– الكتاب الأول : ايبيستمولوجيا العلوم الإنسانية : أي نموذج لدراسة الظاهرة الانسانية .

الكتاب الثاني : التأسيس العلمي للسوسيولوجيا .

الكتاب الثالث : الأسرة بين السوسيولوجيا الدينية وسوسيولوجيا الأسرة.( مقارنة بين الأديان في الأسرة )

الكتاب الرابع : اختيار الشريك للزواج في المجتمعات العربية

( دراسة ميدانية سيكولوجية وسوسيولوجية)

الكتاب الخامس : الزواج وطقوسه في المجتمعات العربية

( دراسة ميدانية سيكولوجية وسوسيولوجية

الكتاب السادس : العلاقات الجنسية بين الزوجين .

( دراسة ميدانية سيكولوجية وسوسيولوجية )

وكل هذه الكتب الستة منشورة في دار طيبة للنشر والتوزيع بالقاهرة بجمهورية مصر العربية.

* اما المقالات فلدي 800 مقال في مختلف المواضيع السيكولوجية والسوسيولوجية منشورة في كل الصحف والمجلات المغربية . ومنشورة كذلك في الصحف والمجلات العربية.

* هناك مقالات اخرى منشورة في الجرائد والمجلات الأمريكية بالولايات المتحدة الأمريكية (USA)

* اما الحوارات التلفزية فهي مجودة بقنوات التلفزية للدولة

والقنوات الالكترونية الخاصة ما يقرب عن 20 حوار .

* لقد شاركت كذلك بابحات في ندوات وطنية ودولية .

_______________________

3- السؤال الثالث=

– ما الذي جعل الدكتور عبد الجبار شكري أن يتجه نحو علم النفس وعلم الاجتماع، وما دواعي التجريب في نصوص شعرية وأخرى سردية؟ ولعل صعوبات جمّة يعاني منها الكاتب حين ينوّع في تخصصاته وكتاباته…! تُرى، هل تنوّع الكتابة الأجناسية ظاهرة إيجابية؟ وماذا عن تحطيم التخوم بين الأجناس الأدبية؟

الجواب =

– هناك مجموعة من الأسباب هي التي دفعتني الى التخصص في علم النفس وعلم الاجتماع والتوجه الى الشعر والرواية وهي كالتالي =

اولا منذ بداية مشواري المعرفي وانا لازلت تلميذا في السلك الأول وفي السلك الثاني من التعليم الثانوي كنت شغوفا بالفلسفة كان زملائي يلقبونني بالفيلسوف لانني كنت ادخل مع استاذي في الفلسفة في نقاشات فلسفية معمقة كنت احضر لها بالقراءة والبحث قبل ان ادخل الى حصة الفلسفة وكنت احصل في مادة الفلسفة على نقط ممتازة . كانت تشعرني بتوفقي على زملائي الى درجة انني القيت عرضا في القسم شفويا حول فلسفة ابن رشد .

ثانيا منذ السلك الاول كنت شغوفا ومحبا للعلوم الإنسانية بسبب طبيعتي الفضولية بحيث كنت جد فضوليا في معرفة كل ما يتعلق بالكينونة الإنسانية هذا الفضول المعرفي أدى بي الى البحث في المعارف ،فوجدت ضالتي في العلوم الانسانية علم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ. وكنت اقرأ كتب علم النفس وكتب علم الاجتماع وكتب التاريخ المبسطة . وبهذه القراءة ازداد حبي للعلوم الانسانية وشغفي بها. ومكنتني هذه القراءة من فهم الكثير من السلوكات الانسانية وادراك اسبابها وأهدافها .

اما بالنسبة لميولي للأدب وتكويني الأدبي فقدكان ناتج عن قراءتي للشعر والرواية حيث كنت اجد فيهما متعة ولذة لا تتصور جعلتني شغوفا بهما . لقد كنت مدمنا على القراءة الحرة في سن مبكرة جدا حيث كنت شغوفا بقراءة قصص واناشيد الاطفال، حيث كانت المعلمة في القسم الابتدائي هي التي تساعدنا في ذلك فكنا نساهم بدرهيمن في شراء قصص الاطفال فتضعها المعلمة في خزانة القسم . وانا الذي كنت مكلفا بجمع المال من التلاميذ اسلمها للمعلمة لشراء القصص وكنت مسؤولا كذلك على تنظيم و توزيع القصص على التلاميذ لقراءتها وارجاعها الى مكتبة القسم . فكانت بالنسبة لي انذاك متعة كبيرة جدا والشعور بالتميز عن زملائي مما كان يشعرني بالفخر والاعتزاز بنفسي . ولقد كنت افرح كثيرا عندما احصل على قصة جديدة للقراءة. لازلت اتذكر وانا في السنة الاولى من السلك الاول الاعدادي كان لدي اعتكاف صوفي في خلوة صوفية في محراب الفكر احقق فيه لذة شبقية فكرية وانا اقرا ، فقرأت كل روايات نجيب محفوظ وروايات احسان عبد القدوس والادب الروسي المترجم . التي كنت استعيرها من الخزانة البلدية بمدينة سلا ، بحيث كانت هذه الخزانة تتوفر على الكثير من الدواوين الشعرية والروايات والكثير من الأدب العالمي المترجم.

و عندما انتقلت الى السلك الاعدادي كنت ايضا قارءا مدمنا على قراءة الشعر والرواية سواء باللغة العربية او الفرنسية حيث كنت مسجلا بالخزانة البلدية وخزانة الصبيحي بمدينة سلا ومسجلا بالمركز الثقافي الفرنسي .وكنت استعير الروايات ودواوين الشعر ، وكنت احفظ الشعر لانشاده في الجمعية المغربية لتربية الشبيبة حيث كنا ننشد اناشيد واشعارا نتغنى بها بعد حفظها حيث كنت عضوا نشيطا ومدربا في المخيمات الصيفية في الجمعية المغربية لتربية الشبيبة .

وعندما انتقلت الى السلك الثاني ثانوي سجلت نفسي في المركز الثقافي البريطاني حيث كنت استعير روايات لكبار الكتاب ملخصة ومبسطة بلغة انجليزية سهلة . فاحببت الشعر الإنجليزي واسكوتلاندي والإرلندي وقرأت روايات شارل ديكنز وإدغار الان بو ، وقرأت لوليام شكسبير والقصص البوليسية لأرسين لوبين .كل هذا المسار المعرفي في القراءة الذي كنت اعيش فيه بين تقنيات وآليات بنيوية معرفية مغلقة ، متنوعة في أجناس معرفية متنوعة، بين خطاب علمي وخطاب أدبي فني تشكل فيه كل بنية معرفية تقنيات وآليات الكتابة منفصلة عن البنيات المعرفية الأخرى ، تبدو للبعض وكأنها متنافرة فيما بينها . وكنت اعي بذلك كل الوعي وانتابني وعي شقي ومحبط من خلال اشكالية ايبيستمولوجية : كيف اوفق واجمع ين هذا التنافر والتضاد بين العلم والفن في فعل الكتابة ، وكيف لي ان اتماهى معرفيا وتقنيا ومهارة مع كل بنية معرفية انغلق فيها على ذاتي بمنطقها وآلياتها ؟ وكيف اعيش وجودي المعرفي داخل كل هذه البنيات ؟ وكيف اغرق في لذة النص حسب تعبير رولانت بارت متنقلا بين كل هذه البنيات بدون انزعاج وتوتر ؟

هذا الوعي الشقي بهذه الاشكالية الايبستمولوجية انهار تماما عندما بدأت امارس فعل وطقوس الكتابة فبد ات اكتب الشعر والقصة القصيرة في سنة مبكرة عندما كنت تلميذا في الثانوي وطالبا في الجامعة ، ولم اكن اجرؤ على النشر، كنت اسلم اعمالي لأصدقائي يقرؤونها وينتقدونها وخصوصا اصدقائي في الجمعية، حيث كانوا أساتذة ومعلمين للغة العربية ينشطون معنا في الجمعية . وكنت استفيد كثيرا من انتقاداتهم وملاحظاتهم واطور كتابتي الشعرية والقصصية على ضوء تلك الانتقادات والملاحظات . ومن ثم تكون لدي وعي جديد خصوصا عندما قرأت ارسطو في فن الشعر وقرأت افلاطون وكانط و هيجل ونيتشه واطروحاتهم الفلسفية في الفن وقد تأثرت كثيرا بفريديريك نيتشه في تصوره للفن ، الفن ليس هو موهبة كما يقال وليس هو الهام يأتي هكذا للمبدع بدون اكتساب حرفيته ومهنيته عن طريق التعلم والدراسة . وبدأت اعي كل الوعي، ان اكتساب الابداع الفني يأتي بالدراسة والتعلم لمبادئ الكتابة الشعرية والقصصية وبذل الجهد والعمل في ذلك . ومن ثم لجأت الى قراءة ودراسة القواعد الفنية والجمالية في كتابة الشعر والقصة القصيرة وقرات الكثير عن تقنيات البنية اللغوية للشعر من التقطيع الموسيقي والصور الشعرية والرمزية والاستعارة والمجاز. وقرات الكثير في النقد الروائي، قرأت عن المدرسة الواقعية والرومانسية والسوريالية والشعرية وعن مدرسة الشكلانيين الروس وقرات الكثير عن بنية الرواية : الشخصيات والاحداث والحبكة والزمان والمكان وعن تقنيات السرد .

وبقيت اقرأ واكتب وانتقد، ما اكتبه ، الى أن نضجت تجربتي في الكتابة الشعرية والروائية . ومن ثم انقطعت مدة عن كل ذلك للتحصيل العلمي السيكولوجي والسوسيولوجي في الجامعة، وكتابة بحوث سوسيولوجية في كلية الاداب والعلوم الانسانية وبحوث علمية سيكولوجية في كلية علوم التربية ، كلما انتقلت الى طور جديد من سلك الى سلك جامعي اخر. وفي هذه المرحلة بالضبط اكتشفت الاختلاف بين بنيات الاجناس المعرفية بين الشعر والرواية والفلسفة و السيكولوجيا والسوسيولوجيا على مستوى منطق وتقنيات الكتابة وطقوسها فلكل بنية معرفية منطقها والياتها وتقنياتها في الكتابة . فالكتابة واللغة الشعرية ، ليست هي الكتابة واللغة القصصية والروائية . والكتابة واللغة في السيكولوجيا ليست هي نفس الكتابة واللغة في السوسيولوجيا وليست هي نفس الكتابة واللغة في الفلسفة . لكن مع ذلك فان هذه الاجناس المعرفية المتنوعة تشترك كلها في تحقيق اهداف افكار معينة لكن كل واحد بوسيلة تقنياته المهنية الخاصة به. مثلا في الشعر يرى الفيلسوف الألماني هايدغر: «إن كل تفكير تأملي يكون شعراً، وإن كل شعر يكون بدوره نوعاً من التفكير». إذا كان العلم و الفلسفة هو تجلي للعقل في بحثه عن الحقيقة، فإن الشعر والرواية هما تجلي للعقل في عشقه للجمال.

* للجواب على سؤلك ما دواعي التجريب في نصوص شعرية وأخرى سردية؟

– اجيبك واقول لك ان هناك علاقة منفعية وبرجماتية بين هذه الاجناس المعرفية حيث كل منهما يوصل رسالته الى الناس عن طريق دعم لكل جنس معرفي للاخر .

مثلا فالعلاقة بين العلوم الانسانية والادب بالرغم من اختلاف تقنيات الكتابة واللغة بينهما فهما يستفيدان من بعضهما البعض للتاثير وتحقيق التغير في وعي الناس وادراكهم للعالم الخارجي وللوجود في كل اشكاله وتمظهراته. فالشعر يستفيد من علم النفس في التعبير والكشف عن أعماق النفس الانسانية ، وعلم النفس يستفيد من الشعر ما خفي في النفس البشرية ، فسيجموند فرويد في التحليل النفسي بنى فرضية اللاشعور من خلال الكشف عن مشاعر الشعراء من خلال قراءة اشعارهم. اما بالنسبة لي مثلا فلقد وظفت علم النفس في قصيدتي (سمفونية الانا: ولحن الوجود ). ووظفت كذلك علم النفس في ( سمفونية النفس : لحن الوجدان ) وكشفت عن النفس الانسانية علميا ، بلغة شرعية فنية جمالية . جعلت الشاعرة السورية الكبيرة الدكتورة ديمه أسامة العاشور تقول في قصائدي ما يلي = (( مبهر دكتور طرح موضوعي بطريقة فنية وأدبية وتنسيق شعري خلاب جمعت بين العلم والأدب وفن الإتقان للسرد والبوح المتألق وليس بغريب على فكركم السامق هذا الإبداع الفطري الذي صقلته ثقافة وعلوم باهرين تحية تليق بفكرك وقلمك المتألقين)) . كما جعلت هذه القصائد الشاعر السوري الكبير ريمون سليمان يقول في قصائدي = (( أعجزتني وأدهشتني أستاذي وصديقي العزيز، بهذا الكم الهائل من الفكر المتقد وقد قولبت الفكر بلغة الشعر فصنعت دهشة لامتناهية الروعة..)) . كما نجد في هذا الاطار ابن سينا الذي جمع بين علم النفس والشعر حيث عبر عن نظريته في النفس البشرية شعريا.

نفس الشيء قمت به كذلك في توظيف السوسيولوجيا في اشعاري فقصيدتي (صفقة القرن) وقصيدتي (صرخة الثورة) تحملان في معانيهما نظريات : سوسيولوجية الثورة ، وعلم الاجتماع السياسي .

إن الخطاب العلمي يكشف عن الحقائق العلمية ولكن لا يؤثر في الناس وجدانيا بالشكل المرغوب فيه ، بعكس الخطاب الفني الادبي يحمل في ذاته حقائق علمية لكنه يؤثر في وجدان الناس بجمالية فنه ويمتلكهم ، فيتبنونه وجدانيا ومشاعريا ثم فكريا. ومن ثم يمكن القول ان سبب ظهور المدارس النقدية السيكولوجية والسوسيولوجية كان سببه هو الوعي بالعلاقة بين نفسية الانسان ومجتمعه وبين الادب شعرا ورواية ومسرحا . ومن ثم كان يبدو لي ضروريا توظيف علم النفس في النقد السيكولوجي وعلم الاجتماع في النقد الاجتماعي لفهم الشعراء والروائين .

كما اجد نفسي كشاعر ارى انه من الضروري توظيف الفلسفة كتجريب في نصوص شعرية . بالرغم من وجود صطدام ونفور بين الشعر والفلسفة عند كثير من الفلاسفة . كما كان الامر بالنسبة للفيلسوف اليوناني افلاطون حيث يرى ان الشعراء هم (صناع وهم ومفسدو عقول ) كما نجد فلاسفة آخرون كانوا أعداء للشعر، مثل رينيه ديكارت في القرن السابع عشر، وجون ستيوارت مل في القرن التاسع عشر، اما توماس بيكوك فيرى ان الشعر هو مجرد نشاط متخلفً لا ينتمي الى العصر الذي تهيمن عليه المعرفة والعقل والتنوير. في حين نجد توماس هكسلي ينتقد الشعر ويعتبره، مجرد حمق وشعوذة في عصر العلم والمعرفة والتنوير. ويعلن جورج بواس مقولته (تكون الأفكار في الشعر عادة غالبًا زائفة وكاذبة).

وأما ت.س. إليوت فيقول: “لا شكسبير ولا دانتي قاما بأي تفكير حقيقي” ويرى بأنَّ الشعر كله يجعلك تتوهم بأنَّه يحتوي على نظرة إلى الحياة فعندما نتعامل كما يرى ت.س. اليوت مع هوميرس وفرجيل وشكسبير ودانتي نعتقد ونتوهم وكأننا نتابع تعبيرا فكريا في حين ان الامر ليس كذلك، ممايعني أنَّ الشعر مُنفصل عن الفلسفة وعن فعل التفلسف .

هذا التصور الذي يقول بانفصال بنية الشعر عن الفلسفة في نظري غير صحيح تماما ففي تجربتي الشعرية والفلسفية ، فلقد جمعت بين الفلسفة والشعر في قصيدة (سمفونية الانا : لحن الوجود) وصغت فلسفة ارسطو وديكارت نفسه الذي ينتقد الشعر وكانط ولايبنتز وابن رشد في لغة شعرية فنية جمالية، كما انني فلسفت الحياة والموت واقمت بينهما حوار فلسفي منطقي في قصيدة (سمفونية الحياة : لحن الموت) واتخدت موقفا فلسفيا من الغير في قصيدة ( شبح الغيرية ) وفلسفت الوجود البشري في قصيدة ( اسرار الانية) التي كشفت فيها عن اسرار النفس البشرية . ويمكن القول في هذا التجريب الشعري/الفلسفي، أن هناك شاعرًا داخل النص الفلسفي و في نفس الوقت هناك فيلسوف داخل نص شعري، وبأن الشعر يخدم الفلسفة، و الفلسفة تخدم الشعر، وبأن هناك علاقة منفعية برجماتية بينهما. ولهذا نجد أن ابن سينا والفارابي والجاحظ وأبا تمام والبحتري وأبا العلاء المعري والمتنبي وأبا حيان التوحيدي وأبا العتاهية، دافعوا عن الشعر واعتبروا أن فيه فوائد ومنافع ومتعة مثلما هي موجودة في الفلسفة . ونجد في شعر الثورة عند الكثير من الشعراء ،فلسفة للحرية ولعشق الوطن.

ولقد دافع العديد من الفلاسفة عن الشعرالفلسفي ، فنجد أن فريدريك نيتشه يقول في دفاعه = (يجب العودة إلى ما يعتمل في أنفسنا من عناصر بدائية للارتشاف من نبع العاطفة حتى ولو أدى ذلك الى تحطيم الفكر التحليلي) ولقد قال نيشته ايضا في مدح الشعر عامة= (نحن، أي الفلاسفة، نكذب كثيرًا”، مصنفًا نفسه في خانة من صوب عليهم سهامه، ثم عقب مصرحًا أن الشعر هو الملاذ الوحيد للخروج من صمت العالم، ومن رتابة اللغة وعجزها عن أن تبلغ التخوم، فقال: “ها أنا أتكلم بغموض وأتلعثم كما يفعل الشعراء، والحق أنه لا غنى لي عن الأمثال والاستعارات والصور”.) ويقول نيتشه: ((حين يريد الشعراء أن يلطفوا حياة الناس، فإنهم إما أن يحولوا الأنظار عن الحاضر المعذب، وإما يضفون على هذا الحاضر ألواناً جديدة تشع ضوءاً )). اما هايدغر فيرى ان الشعر بصفته تأسيساً للوجود عن طريق لغة شعرية جمالية. ومن ثم يمكن القول أن الشعر والفلسفة يبحثان معا في المعرفة والوجود والقيم .

اما بالنسبة للرواية فتحتاج هي أيضا الى معرفة عميقة بالنفس البشرية عن طريق علم النفس ،فتحريك الروائي للشخصيات انفعاليا وخلق ردود افعالهم واقامة التفاعل النفسي بين شخصيات الرواية وبينهم وبين انفسهم ، وبينهم وبين الوجود والعالم الخارجي لا بد ان يخضع ذلك الى المرجعة العلمية السيكولوجية كما نجد ذلك بالنسبة للرواية التاريخيةالتي تعتمد على علم التاريخ ، فالى الجانب الفني الدارمي للرواية لابد للروائي ان يستحضر الحقائق التاريخية في السرد فلا يمكن الكذب على التاريخ والا ستبدو الرواية تافهة ومثيرة للسخرية ،تنفر الناس اكثر مما تجذبهم .

ان الرواية تبني واقعا وعالما افتراضيا واحيانا استيهاميا لكنها لا يمكن ان تملك وجدان القارىء وتسيطر عليه وتؤثر فيه الا اذا كانت سيرورات الاحداث في الرواية ملائما للحقائق السوسيولوجية في المجتمع البشري . ومن ثم نجد الكثير من علماء الاجتماع من اشتغلوا بالرواية ومرروا اطروحاتهم السوسيولوجية من خلال الرواية وفي هذا الاطار ظهرت المدرسة النقدية السوسيولوجية ، على سبيل المثال لا الحصر نجد في هذا الاطار عالم الاجتماع والروائ المغربي عبد الكبير الخطيبي في دارسته النقدية( الرواية المغاربية le roman maghrébin. كما نجد في هذا الاطار ايضا لوسيان غولدمان في كتابه سوسيولوجية الرواية la sociologie du roman .

ان احداث الرواية هي من صنع خيال الروائي ولكن هذه الاحدات يجب ان لا تكون متناقضة مع الحقائق السيكولوجية و السوسيولوجية والا ستصبح الرواية تحكي العبث واللامعقول في الوجود الاجتماعي البشري ومن ثم تفقد كل شرعية ومصداقية في التاثير في الناس وابلاغ الرسالة التي هي اصلا وجدت من أجلها .

ما اقوله عن علم النفس وعن علم الاجتماع والتاريخ في التوظيف السردي اقوله ايضا عن العلاقة بين الرواية و الفلسفة .حيث نجد في هذا الاطار ” ان ميلان كونديرا ” قام بدراسة العلاقة الوثيقة بين الفلسفة والأدب ، حيث وجد انها علاقة حميمية وقوية، فاما أن نجد الروائي هو في الاصل فيلسوفا ينشر مذهبه الفلسفي عن طريق رواياته او هو اصلا اديبا يمارس فعل التفلسف داخل الرواية. وفي هذا الصدد يرى برتراند راسل ان الرواية هي أفضل وسيلة لعرض التأملات المتعلقة بمحنة الإنسان. اما بول ريكور يرى ان الرواية ، مبنية على عمق فلسفي حجاجي يفلسف كل تقنيات الرواية. فنجد في هذا الاطار أدباء ليسوا بفلاسفة ولكن رواياتهم تتضمن تأملات فلسفية عميقة ، حيث نجد ذلك عند جوته فى( فاوست) وبلزاك فى( الكوميديا الإنسانية) وبروست فى (البحث عن الزمن المفقود) وجبران (فى النبى )ونجيب محفوظ فى( أولاد حارتنا ) وبالتالي فان هؤلاء هم اصلا ادباء وليسوا بفلاسفة لم ينتجوا انساقا فلسفية وليست لهم مذاهب فلسفية او ينتمون الى مدارس فلسفية . ولكنهم كانوا يمارسون فعل التفلسف والنقد الفلسفي في السرد الروائي كما هو الامر عند فولتير في رواية ( كانديد) حيث ينتقد فيها الفيلسوف الالماني ليبنيتز ونفس الشيء قام به مونتسكيو في روايته( رسائل فارسية) حيث انتقد الاستبداد الشرقى، وانتقد بعض مظاهر العبثية في الحياة الاجتماعية فى فرنسا.

أما ألبير كامو فقد جسد فلسفة العبث في الرواية والمسرح
وكتب ألبير كامى رواية الغريب كمقدمة لسلسلة من الرويات الفلسفية الوجودية وبالتالي لم يكن يحتاج الى كتابة نسق فلسفي كفريدريك هيجل ليكون فيلسوفا. بل هو روائي/فيلسوف ، يكفي ان يعبر عن مذهبه و فلسفته في الحياة عن طريق الرواية. لهذا يرى ألبير كامي أنه لا توجد تباينات ثابتة جامدة بين الفلسفة والأدب الجيد. ويعلن صراحة أن “الروائييين العظماء فلاسفة عظماء” ويعتبر ان الرواية ما هي إلا فلسفة يتم صياغتها في أحداث خيالية. وتختفي الفلسفة في ثنايا الاحداث الخيالية. ولكن ما ان تفتأ ان تخرج الفلسفة متدفقة من الشخصيات والأحداث حتى تبرز واضحة جلية .

وفي اطار حضور فعل التفلسف ايضا داخل الرواية
نجد همنجواي يتفلسف في روايته (الشيخ و البحر) التي جسدت صراع الإنسان/الشيخ مع الحياة/الموت/ الحوت لقد انتصر الحوت على الانسان بالموت ويظهر ان الموت بعد صراع مرير ينتصر على الانسان. ان الرواية هي تجسيد لفلسفة الحياة والموت .

في المقابل نجد فلاسفة اشتغلوا بالرواية لنشر مذاهبهم الفلسفية فنجد في هذا الاطار جان بول سارتر الذي نشر فلسفته الوجودية عن طريق الرواية ، ففي رواية (الغثيان) لسارتر يظهر هذا التفلسف الوجودي بشكل واضح مجسدا في عنوان الرواية الذي يدل على الاضطراب والغليان والتقلب وعدم الركون والسكون.

* وفي الاجابة على سؤالك التالي: هل هناك صعوبات جمّة يعاني منها الكاتب حين ينوّع في تخصصاته وكتاباته ؟

-اجيبك على هذا السؤال من خلال تجربتي في الكتابة التي تتوزع على علم النفس وعلم الاجتماع والشعر والرواية واحيانا على الفلسفة فلا اجد على الاطلاق هناك اي صعوبة . لا اجد صعوبة على الاطلاق في تنويع فعل الكتابة في الاجناس الأدبية . او في تنويع فعل الكتابة في انواع معرفية اخرى كعلم النفس وعلم الاجتماع والفلسفة . فقراءتي المتعددة والعميقة جعلتني اكتسب خبرة في التمييز بين الكتابة في جنس معرفي ما وجنس اخر . فعندما اكتب في علم النفس اكتب بمنطق علم النفس و بمنطق اللغة السيكولوجية وعندما اكتب في علم الاجتماع اكتب بمنطق علم الاجتماع و بمنطق اللغة السوسيولوجية وعندما اكتب في الشعر اكتب بمنطق اللغة الشعرية من موسيقى وصور رمزية ومجازية وتشبيهية وعندما اكتب في الرواية اكتب بمنطق السرد الشكلاني وبمنطق اللغة الروائية: الشخصيات والزمان والمكان والاحدات وبناء الحبكة واساليب التشويق والاثارة.
ومن هنا ارى انه يمكن لي ان اعبر عن نفس القضية الفلسفية او السيكولوجية او السوسيولوجية بلغة شعرية او بلغة سردية وتبقى هي نفس القضية في البناء الفني شعرا او في البناء السردي رواية . لان الاساس في كل هذا هو اكتساب حرفة وتقنية الكتابة في كل جنس معرفي اوادبي .فالحصول على ذلك لا يأتي بالموهبة والالهام بل يكتسب بالدراسة والتحصيل والممارسة وتطوير الكتابة من خلال النقد الذاتي والنقد الموضوعي الخارجي .

* أما فيما يخص سؤالك هل تنوع الكتابة الأجناسية ظاهرة إيجابية؟ وماذا عن تحطيم التخوم بين الأجناس الأدبية؟)

– ان تحطيم الحدود بين الاجناس الادبية هي في حد ذاتها ايجابية جدا، لان الكاتب يبني علاقات منفعية توظيفية لتجسيد نفس الرسالة بأجناس معرفية مختلفة. فنجد كثيرا من الفلاسفة لم يؤثروا في الناس واستيعاب الرسالة بواسطة الخطاب الفلسفي، بل كانت هذه الرسالة الفلسفية تجد اذانا صاغية ويتم التبني لها وجدانيا وتماهيا كليا معها عن طريق الشعر والرواية والمسرح . لان خطاب العقل المنطقي ليس هو خطاب العقل العاطفي الوجداني. فللعاطفة ايضا منطق لكنه منطق المشاعر فالرسالة لاتحقق هدفها الا عن طريق التوازن بين منطق العقل ومنطق العاطفة ،وهذا ما يبينه توماس بافيل في ضرورة حضور التفلسف في الرواية حين قال: « إن مهمة الرواية اليوم هي أن تُمسرِح لغز الفرد المتجدد ” لانه كما يقول الروائي د. هـ. لورانس أن “هيمنة العقل وتغلبه على العاطفة هو المسؤول عن مصائب القرن العشرين”. اذن لا بد من خلق توازن بين العقل والعاطفة والوجدان وهذا التوازن لا يتحقق الا بالعلاقة الوظيفية المنفعية برجماتية بين اجناس المعرفة علما والادب شعرا ورواية ومسرحا. وهذا مافعلته الفلسفة الصوفية في شعرها الصوفي فمالم يفهمه الناس في فلسفة ” محيي الدين ابن عربي” فهمه الناس من خلال اشعاره .
– عالم النفس وعالم الاجتماع
– الشاعر والروائي
– الدكتور عبد الجبار شكري (المغرب)
____

أضف تعليق